احتلت رمزيات الكهرمان مكانةً مميزةً في الوعي الجمعي عبر مختلف الحضارات، وتجاوزت قيمته كحجر عضوي كريم لتحمل دلالات عميقة، فقد رأى فيه الأدباء والشعراء تجسيدًا للدموع المتجمدة، ورمزًا لضوء الشمس الخالد، بينما استخدمه الفنانون للتعبير عن مفاهيم الجمال والزوال والذكرى.
وقد جعل هذا الثراء الرمزي حجر الكهرمان مادةً خصبةً للإبداع، فنسجت حوله الحكايات الأسطورية وكتبَت فيه القصائد ورسمَت اللوحات، وسوف نتناول في هذا المقال مظاهر هذا الحضور الثقافي للكهرمان التي خلّدت هذه المادة الطبيعية وأضفت عليها بعدًا إنسانيًّا خالدًا.
أعظم مثال على رمزيات الكهرمان
تعد غرفة الكهرمان المفقودة أعظم شاهد على البذخ والهالة الرمزية التي أحاطت بهذه المادة، وقد كانت هذه الغرفة التي بنيت كهدية دبلوماسية مغطاة بأكثر من 13 ألف رطل من الكهرمان، مما يجسد أعظم ثقافة مادية مثَّلها هذا الحجر العضوي في الوعي الجمعي عبر العصور.
رحلة الكهرمان في موسوعة بليني
يعد كتاب بليني "التاريخ الطبيعي" أهم مصدر قديم يتحدث عن الكهرمان، فقد جمع فيه كل المعلومات المتوفرة في عصره، حيث كان الكهرمان يصل بكثرة إلى روما، وناقش النظريات المختلفة عن تكوينه وأصله، وفحص ما إذا كان من النباتات أو المعادن أو الحيوانات، وقد خلص "بليني" بعد دراسة كل الروايات إلى أن الكهرمان هو عصارة شجرة صنوبر تتصلب بالصقيع أو الحرارة ثم تجرفها المياه إلى الشواطئ.
أسطورة فايثون وأخواته الهيليادس
تمثل هذه الأسطورة أشهر الروايات المرتبطة بأصل الكهرمان في أدب وفنون الحضارة اليونانية.
تقول الأسطورة إن فايثون كان ابن إله الشمس، وطلب قيادة عربة الشمس ليوم واحد ففشل، مما أدى إلى كارثة، وانتهت المأساة بمقتله بصاعقة من زيوس وسقوطه في نهر إريدانوس، ووقفت أخواته الهيليادس على ضفة النهر يبكين عليه بلا انقطاع، حتى تحولن بأمر الآلهة إلى أشجار حور، واستمررن في البكاء فتحولت دموعهن إلى قطرات كهرمان ثمينة تنجرف مع تيار النهر.
الكهرمان والأساطير الأخرى
هناك قصص أخرى تربط العنبر بالشمس والنجوم، فبعض الأساطير تقول إن فايثون تحول إلى كوكبة في السماء، وأخواته إلى نجوم، وصديقه إلى بجعة، وارتبطت البجعة، كطائر مقدس في شمال أوروبا، بعبادة الشمس، وهكذا، لم يكن الكهرمان مجرد حجر جميل، بل كان جزءًا من المعتقدات عن الكون والآلهة.
تقدم الأساطير أيضًا تفسيرات كونية لأصل الكهرمان، ترجع إحداها نشأته إلى سقوط شمس في البحر وتحولها إلى قطع متفرقة.
إنه تاريخ فني يشكل نسيجًا معقدًا يربط بين المعتقدات والأحاسيس الإنسانية، حيث تحولت المادة الطبيعية إلى رموز تعبر عن الحزن والفقد والحب الخالد.
التجسيد المادي للشمس والطاقة الإيجابية
ارتبط حجر الكهرمان منذ القدم بالطاقة الدافئة والمهدئة، حيث اعتقد البعض أنه يمتص الطاقة السلبية ويشع بالدفء والسكينة مثل "ضوء الشمس العقلي"، كما ارتبط لونه الذهبي بالشمس والقدر الإلهي، مما جعله رمزا للطاقة الإيجابية والنور، وخيارًا مناسبًا لصناعة المجوهرات الدينية وتمائم الحماية وسبح الصلاة كتعبير عن الإخلاص للخالق.
منحوتات الحيوانات في عصور ما قبل التاريخ
تعود جذور رمزيات الكهرمان إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث استخدمته المجتمعات القديمة لنحت تماثيل الحيوانات، وكانت هذه المنحوتات تؤدي دورًا روحانيًّا خاصًّا، وهو تقليد لا يزال مستمرًّا في المجوهرات الحديثة التي تستلهم من عالم الطبيعة.
تميمة للقوة الذهنية والاتزان
من رمزيات الكهرمان استخدامه، وخاصةً الأصفر منه لدعم القدرات العقلية، فقد اعتقد المعالجون الطبيعيون قديمًا أنه يعزز الذاكرة والمرونة العقلية ويساعد على اتخاذ القرارات المتوازنة، لذا كان رمزًا للحكمة والصفاء الذهني.
تعويذة الشجاعة والثقة بالنفس
احتل الكهرمان مكانة رمزية بارزة في أدب وفنون القدماء، حيث ظهر كتعويذة تمنح حاملها الشجاعة وتعزز ثقته بنفسه، كما تجسد في أعمال أدبية وفنية متنوعة كرمز للصمود والحكمة وتجديد الوعود، وقد ساهم ذلك في استمرار شعبيته وتألقه عبر الأجيال والثقافات المختلفة.
تاريخ فني: من الرومانسية إلى الرمزية
شهد الكهرمان نهضة فنية خلال عصر النهضة والعصر الفيكتوري، حيث تبنته حركات فنية مثل: "آرت نوفو" و"آرت ديكو"، وقد أثارت خصائصه العضوية وماضيه الأسطوري مشاعر الحنين والرومانسية، وتم دمجه في تصميمات مجوهرات معقدة ترمز إلى أفكار جديدة كالنمو والتجديد والخلود مثل رمز طائر الفينيق.
أدب وفنون: الحشرات والنباتات المحفوظة في الكهرمان
لاحظ القدماء أن الكهرمان يحتوي أحيانًا على حشرات أو نباتات صغيرة محفوظة بداخله، واستخدموا هذا كدليل على أن الكهرمان كان في الأصل عصارة شجر، وفي ذلك كتب الشاعر "مارتيال" قصائد عن نحلة أو نملة محبوسة في قطعة كهرمان، واصفًا إياها وكأنها دفنت في قبر ثمين، وقد جعلت هذه الشوائب الكهرمان أكثر قيمةً وغموضًا في أعينهم.
الكهرمان والحداد على الموتى
ارتبط الكهرمان قديمًا بطقوس الحزن والموت، خاصةً في رثاء الشباب، وتكريسًا لهذه الرمزية، نجد أن الملاحم الأدبية تذكره في تغطية جثث الأبطال خلال الطقوس الجنائزية.
كما تروي أسطورة أخرى كيف تحولت شقيقات البطل ميليجر إلى طيور، وأخذن يذرفن دموعًا من كهرمان على وفاته، وتأكيدًا لهذه الصلة الرمزية، تبرز في ثقافة مادية مجموعة من المنحوتات القديمة على شكل طيور، منحوتة من مادة الكهرمان نفسه، هذه القطع الأثرية لا تمثل مجرد أعمال فنية، بل تشكل هذه المنحوتات شاهدًا ماديًّا على تجسيد المعاني الرمزية للكهرمان، حيث تحولت أساطير الحزن والموت إلى أعمال فنية ملموسة عبّرت عن مشاعر البشر تجاه الفقد والرحيل.
تاريخ فني فريد للكهرمان على مر العصور
لا يقتصر التاريخ الفني للكهرمان على المنحوتات القديمة فحسب، بل يمتد ليشمل روائع من العصر الإسلامي حيث بلغت صناعة مسابح الكهرمان ذروة الإتقان، خاصةً في العصر العثماني التي أصبحت فيها السبح جزءًا أصيلًا من ثقافة مادية ودينية، كما شهدت أوروبا في القرن الثامن عشر ظاهرة "غرف الكهرمان" في القصور الملكية التي جسدت ذروة البذخ الفني.
وتمتد جذور هذه الثقافة المادية إلى الحضارة الصينية القديمة، حيث عُثر على مجوهرات كهرمانية تعود لأسرة هان (206 ق.م - 220 م) مزينة برموز طاوية، مؤكدةً البعد الروحي لهذه المادة في المعتقدات الآسيوية.
كما مثلت قلادات الكهرمان في الثقافة الاسكندنافية دلالات اجتماعية حيث كانت تقدم كهدايا زفاف تعبيرًا عن الخصوبة والحماية.
ويُظهر التاريخ الفني للكهرمان تطور تقنيات الصقل والتشكيل عبر العصور، من المنحوتات البدائية في العصر الحجري إلى القلادات المعقدة في عصر النهضة.
أما في العصر الحديث، فالكثير من الأدباء كتبوا قصائد في الكهرمان، ومن ذلك "مارغريت كوتس" حيث قالت في قصيدة لها، بعنوان أغنية الكهرمان:
أنا من الكهرمان، من ذهب البلطيق،
جوهرة وليست حجرًا،
ولا عمري ألف عام،
فتاة نمت من عصارة الصنوبر،
عندما يتم شفاؤه بالكامل، من جسد دافئ
وحيوي عند اللمس،
القليل من أشعة الشمس تسمى في اليونانية،
إلكترون، لأنني أتمسك
تشكل أشكال المعيشة الجميلة أشكالًا صغيرة الحجم
من خلال دبس السكر اللاذع الذي يتم التقاطه،
وتجعلها مثيرة
للأفكار المؤثرة.
مغناطيسيا أشفي آلام
الرأس أو الفكر القاسية؛
كهربائيا يرتجف وجودي
عندما تنعكس أمواج الشمس.
من سماء هايبربوريان الزرقاء العميقة
لا يزال أبولو يذرف الدموع؛
من أصل ليتواني، أغني
الشعر لآذان أخرى.
لوحات بالكهرمان
لا يزال الكثيرون لا يعرفون أن الأعمال الفنية الحقيقية تصنع من الكهرمان، فهو مادة خام تستخدم أيضًا في إبداع لوحات فنية أصلية، وأعمال "مونيكا بلازكوفسكا" خير مثال على ذلك.
تجمع الفنانة الكهرمان مع المعادن والأحافير والأحجار شبه الكريمة، وغيرها، بأسلوب شيق، وقد لاقت إبداعاتها وموهبتها التقدير في العديد من المعارض والمسابقات المرموقة، وهذا خير دليل على إمكانية استخدام حجر الكهرمان ليس فقط في صنع الزينة، بل أيضًا في إنتاج أعمال فنية قيّمة.
من رمزيات الكهرمان إلى مجوهراته الفريدة.. هل أنت مستعد لتجربة جمال وأناقة الكهرمان البلطيقي بنفسك؟ ندعوك إذن إلى زيارة متجرنا والاختيار من بين تشكيلةٍ رائعة لكل منها قصتها الفريدة.
